أسباب ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال وكيفية علاجها
26 فبراير 2025, 11:53 م
26 فبراير 2025, 11:53 م
كنتُ أراقب الطفل الصغير وهو يحاول ربط حذائه. جاهد بأصابعه الصغيرة، تعرّق جبينه، لكنه فشل، فزفر بحنق. أسرعت أمه لتساعده، ربطت الحذاء في ثانية، ثم ابتسمت، لكنه لم يبتسم.
لماذا يفقد بعض الأطفال الثقة في أنفسهم بهذه السهولة؟ هل يولدون هكذا، أم أن هناك كلمات ومواقف تتراكم ببطء، حتى ترسم في أذهانهم أنهم غير قادرين؟
في هذا المقال، نكشف أسباب ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال، وكيف يمكننا إعادة بنائها قبل أن تصبح جزءًا من شخصياتهم.
الطفل الواثق بنفسه هو ذاك الذي يقف في وسط الغرفة، يحمل ورقة رسم عجيبة الشكل، ويقول لك بكل ثقة: "انظر! لقد رسمتُ وحشًا خارقًا يستطيع الطيران في الفضاء!" أنت تحدّق في الورقة، فلا ترى إلا خربشات غير مفهومة، لكن الطفل يراها لوحة فنية. هذه هي الثقة بالنفس في أنقى صورها.
الثقة بالنفس ليست صفة تُمنح ولا وسامًا يُقلّد، فهي شعور داخلي يولد مع التجربة، ينمو مع التشجيع، ويذبل مع النقد المستمر.
الطفل منذ لحظة إدراكه للعالم يبدأ في اختبار نفسه: هل أنا قادر؟ هل أستطيع؟ وفي كل مرة يواجه فيها تحديًا، يضع لبنة صغيرة في جدار ثقته بنفسه، إما أن يكون هذا الجدار حصينًا كقلعة، أو هشًا كبيتٍ من ورق، وهذا يتوقف على ما يواجهه من ردود فعل.
الأطفال لا يولدون شجعانًا ولا خائفين. يولدون كورقة بيضاء، ثم يبدأ المجتمع، الأهل، الأصدقاء، وحتى نظرات الغرباء في كتابة سطور على تلك الورقة.
فإن امتلأت بالتحفيز والتشجيع، كبر الطفل وهو يرى نفسه قادرًا على غزو العالم. وإن كُتبت عليها عبارات التوبيخ والمقارنات القاتلة، كبر وهو يظن أن العالم أكبر منه بكثير، وأنه مجرد نملة صغيرة وسط حشد من العمالقة.
الطفل كالغصن الصغير، ينمو مستقيمًا إن اعتنى به أحد، لكنه قد ينحني تحت وطأة الرياح إن تُرك وحده في مهبّ العواصف. والثقة بالنفس هي نتاج ما يمرّون به من تجارب، ومن أبرز أسباب ضعف الثقة نجد:
يتقدم الطفل ليشارك في مسابقة رسم، يرسم بكل حماس، لكنه يخسر. يتقدم ليجرب القفز بالحبل، فيسقط. يحاول تركيب مكعباته، فتنهار بين يديه. ماذا يحدث بعد ذلك؟
إن كان محاطًا بمن يقول له: "لا بأس، المحاولة تجعلك أقوى!" فسوف يحاول مجددًا، ويبني جدار ثقته لبنةً فوق أخرى. أما إن قوبلت محاولاته بضحكات ساخرة، أو تجاهل بارد، فسوف يبدأ في تجنب التجربة من الأساس.
الإخفاق المتكرر دون دعم، أشبه برياح قوية تضرب ذلك الغصن الصغير، تكسره شيئًا فشيئًا. وحينما يكبر، يصبح شابًا يخشى المغامرة، يخاف من الفشل، ويتردد قبل اتخاذ أي خطوة جديدة، وكأنه خُلق ليكون خلف الكواليس، بينما الآخرون يحتلون المسرح.
"لماذا لا تكون مثل ابن خالتك؟"
"خطك سيئ، لن تفلح أبدًا في الكتابة"
"كم مرة أخبرتك ألا تفعل ذلك؟ أنت لا تتعلم أبدًا
هكذا، ببضعة كلمات عابرة، تتحطم ثقة الطفل بنفسه كما تتحطم مرآة هشة على الأرض، فالطفل مثل الإسفنجة، يمتص كل ما يُقال له، وكل مقارنة بينه وبين الآخرين تحفر داخله حفرة صغيرة، تتسع بمرور الأيام حتى يصبح مقتنعًا أنه لن يكون جيدًا بما فيه الكفاية أبدًا.
الانتقاد المستمر مثل قطرات ماء تتساقط على صخرة، قد تبدو غير مؤذية في البداية، لكنها مع الوقت تُحدث فيها فجوة لا تُسد.
وليس هذا مجرد تخمين أو مبالغة، فقد أشارت دراسة نُشرت في مجلة Social Cognitive and Affective Neuroscience إلى أن النقد الأبوي المستمر لا يؤثر فقط على تقدير الذات، بل يمكن أن يكون له تداعيات نفسية أعمق، إذ يرتبط بظهور اضطرابات نفسية وسلوكيات إيذاء الذات في مراحل لاحقة من العمر.
فالطفل الذي يتعرض لانتقادات لاذعة ومتكررة ينشأ وهو يشعر بأنه غير كافٍ، غير قادر على النجاح، وغير مستحق للدعم أو الحب.
هناك نوع من الأطفال يمشون في هذه الحياة وكأنهم يحملون حقيبة ثقيلة على ظهورهم، حقيبة مليئة بالخذلان، لأنهم لم يجدوا يدًا تمتد لتدفعهم للأمام.
التشجيع هو السماد الذي يجعل ثقة الطفل بنفسه تزهر. كلمة بسيطة مثل "أنا فخور بك" قد تصنع فرقًا بين طفل يشعر أنه قادر على مواجهة العالم، وآخر يشعر أنه مجرد رقم زائد في الحياة. الطفل الذي ينشأ في بيئة خالية من التقدير، لن يحاول، لن يجرب، ولن يؤمن أبدًا بأنه يستحق النجاح.
عندما يكون الطفل ضحيةً للتنمر، فهو لا يتلقى مجرد كلمات قاسية، بل يتلقى رسائل غير مباشرة بأن قيمته ضئيلة، وأنه ضعيف، وأنه لا يستحق الاحترام. مع كل مرة يُسخر منه فيها، ومع كل مرة يُدفع فيها دون سبب، تذوب ثقته بنفسه كقطعة ثلج تُركت تحت شمس الظهيرة.
هنا يأتي دور الأهل، فإما أن يكونوا درعًا يحميه، أو أن يتركوه وحيدًا في مواجهة عاصفة لا ترحم.
أن يسمع الطفل من والديه "تجاهلهم فقط" بينما يشعر أن كرامته تُسحق يوميًا، هذا أشبه بأن يُطلب منه السباحة في بحر هائج دون أن يعرف كيف يحرك قدميه في الماء.
"يجب أن تحصل على الدرجة النهائية"
"لماذا لم تكن الأول على الفصل؟"
الأهل الذين يظنون أنهم يحفزون أبناءهم بهذا الأسلوب، لا يدركون أنهم يضعونهم تحت ضغط يفوق قدرتهم. لا بأس أن تشجع طفلك على التفوق، لكن أن تجعله يشعر أن قيمته في الحياة تتوقف على ورقة امتحان، فهذا كفيل بجعله يعيش في خوف دائم من الفشل، ويضع ثقته بنفسه في يد الأرقام والتقديرات.
الطفل الذي يُجبر على تحقيق توقعات تفوق طاقته، يشبه لاعب السيرك الذي يسير على حبل مشدود فوق نيران مشتعلة. قد ينجح لبعض الوقت، لكن بمجرد أن يفقد توازنه، لن يجد أحدًا يمد له يده لينقذه.
المنزل هو أول عالم يعرفه الطفل، فإن كان هذا العالم مليئًا بالصراخ والخلافات وعدم الاستقرار، كيف له أن ينشأ واثقًا بنفسه؟
الطفل الذي يرى والديه يتشاجران يوميًا، ويشعر أن البيت قد يتحطم في أي لحظة، لن يكون لديه الفرصة للتفكير في تطوير ذاته. كل تركيزه سيكون منصبًا على النجاة العاطفية، على كيفية تفادي المشاكل، على كيف يكون غير مرئي حتى لا يكون جزءًا من الصراع.
الاستقرار العائلي هو الأرض التي تنمو عليها الثقة بالنفس. إن كانت الأرض صلبة، نما الطفل قويًا. وإن كانت هشة ومليئة بالشقوق، فلن يملك سوى أن ينكمش على نفسه خوفًا من السقوط.
حين يقف الطفل أمام المرآة ويرى اختلافه عن الآخرين –سواء كان ذلك بسبب إعاقة جسدية، أو مشكلة صحية، أو حتى مظهر مختلف– يبدأ الشك في التسلل إلى نفسه. هل أنا طبيعي؟ هل سأكون مقبولًا؟ هل سينظر إليّ الآخرون باستغراب؟
في مجتمع لا يرحم الاختلاف، يشعر الطفل الذي يعاني من مشكلة صحية وكأنه كائن غريب وسط مجموعة من البشر العاديين. وهنا، يأتي دور الأهل في جعله يرى اختلافه كقوة لا كضعف، في جعله يدرك أن قيمته لا تُحدد بشكله، بل بما يستطيع أن يفعله.
أحيانًا، يحتاج الطفل فقط إلى من يقول له: "أنت رائع كما أنت." هذه الجملة البسيطة قد تكون الحاجز الوحيد بينه وبين الانهيار الداخلي.
الثقة بالنفس ليست زرًا يمكننا تشغيله في عقول أطفالنا، لكنها بذرة نزرعها، ونسقيها يومًا بعد يوم، حتى تتحول إلى شجرة وارفة الظلال، ومن أبرز طرق تعزيزها:
الطفل مثل الرسام الصغير، يرسم لوحته الأولى بألوان عشوائية وخطوط غير متناسقة، لكن إن سمع منك: "يا له من رسم رائع!" فسوف يرسم مرة أخرى، ثم مرة ثالثة، حتى يصبح فنانًا بحق. أما إن سمع: "ما هذا؟ حاولت لكنك لم تفلح!" فسوف يلقي فرشاته بعيدًا، وربما لن يحاول مجددًا.
فالتشجيع هو طوق نجاة. الاعتراف بإنجازات الطفل، حتى لو كانت بسيطة، هو ما يجعله يؤمن بأنه قادر. عبارات مثل:
"أنا فخور بك لأنك حاولت!"
"كان الأمر صعبًا، لكنك لم تستسلم، وهذا رائع!"
"أحب الطريقة التي فكرت بها لحل المشكلة!"
هذه الكلمات تترك أثرًا عميقًا، لأنها تخبر الطفل أن قيمته ليست في النتيجة، بل في المحاولة والاجتهاد.
العالم ليس مكانًا بسيطًا، فهو مليء بالتحديات والمواقف التي تحتاج إلى تفكير. إذا نشأ الطفل وهو يعتمد على الآخرين في اتخاذ قراراته، فلن يكون قادرًا على الثقة بنفسه عندما يحتاج إلى اتخاذ قرار حقيقي لاحقًا.
فبدلًا من أن تختارين له ملابسه كل يوم، اسأليه: "ما رأيك أن تختار اليوم ما ترتديه؟"
عندما يواجه مشكلة مع أحد أصدقائه، بدلًا من أن تتدخل فورًا، اسأله: "كيف تعتقد أنه يمكننا حل هذا الموقف معًا؟"
كل مرة يُمنح فيها الطفل الفرصة للتفكير واتخاذ القرار بنفسه، يضع لبنة أخرى في بناء ثقته بنفسه.
هناك فرق بين طفل ينتظر من والدته أن تربط له حذاءه، وبين طفل يحاول بنفسه، حتى لو استغرق الأمر خمس دقائق إضافية. الطفل الذي يُعطى فرصة ليكون مسؤولًا عن بعض الأمور في حياته، يشعر أنه قادر، وأنه ليس بحاجة للآخرين دائمًا.
اجعلي يشارك في بعض الأعمال المنزلية البسيطة، مثل ترتيب سريره أو وضع ملابسه في الخزانة، فكلما شعر الطفل أنه مسؤول عن شيء ما، زادت ثقته بنفسه، لأنه يرى أنه قادر على إدارة حياته بنفسه ولو بشكل بسيط.
كيف للطفل أن يكون واثقًا بنفسه إذا كان يشعر أنه يعيش وسط زلزال دائم؟ الخلافات الأسرية، الصراخ، عدم الاستقرار العاطفي، كلها أمور تجعل الطفل يشعر بأنه في خطر، وعندما يشعر بالخطر، لن يكون لديه مساحة للتفكير في نفسه أو تطويرها.
لذا، اجعلي البيت مكانًا آمنًا للحوار، لا ساحة معارك، فالطفل الذي ينمو وسط الصراخ سيتعلم الخوف، وليس الثقة، واهتمي بأن يشعر أنه محبوب بدون شروط، ليس لأنه متفوق أو لأنه "جيد"، بل لأنه ببساطة هو.
"لماذا لا تكون مثل أخيك؟"
"انظر إلى ابن الجيران، إنه متفوق، وأنت لا تفعل شيئًا!"
بهذه الجمل، نهدم جزءًا من ثقة الطفل بنفسه في كل مرة يسمعها. الطفل الذي يُقارن بالآخرين يشعر أنه أقل منهم، حتى لو كان مميزًا في شيء آخر.
وبدلًا من المقارنة، يجب التركيز على تطوير مهاراته الفردية، فمثلًا:
الطفل الذي يملك أصدقاء جيدين، يشعر أنه محبوب ومقبول، وهذا ينعكس على ثقته بنفسه. شجعه على تكوين صداقات، وعلّمه كيف يتعامل مع الآخرين بطريقة صحية، لذا من الضروري:
هل يمكن أن يكون تعلم البرمجة وسيلة لتعزيز ثقة الطفل بنفسه؟
بالتأكيد! البرمجة ليست مجرد مهارة تقنية، بل هي طريقة تفكير، وأداة تمنح الطفل شعورًا بالقوة والقدرة على الإنجاز.
فعندما يكتب الطفل سطر كود بسيط ويشاهد النتيجة أمامه، يشعر بأنه أنجز شيئًا ملموسًا.
والبرمجة تعلم الطفل حل المشكلات، وكيفية التفكير المنطقي، وهي مهارة تعزز من ثقته في قدرته على مواجهة التحديات.
فمثلًا عندما ينشئ الطفل لعبة بسيطة أو تطبيقًا صغيرًا، يشعر بأنه ليس مجرد مستخدم للتكنولوجيا، بل صانع لها، وهذا يغيّر تمامًا نظرته لنفسه.
وهنا يأتي دور "ميجاميندز أكاديمي" التي لا تكتفي فقط بتعليم الأطفال البرمجة، بل تجعل من هذه التجربة رحلة ممتعة مليئة بالتحديات والمغامرات.
فنحن نعتمد على أسلوب تعليمي تفاعلي، حيث يتعلم الطفل من خلال مشاريع عملية، مما يعزز شعوره بالإنجاز مع كل خطوة يخطوها.
في "ميجاميندز أكاديمي" يحصل الطفل على بيئة داعمة تشجعه على الإبداع والتجربة بدون خوف من الخطأ، مما يجعله أكثر جرأة في مواجهة التحديات، سواء في البرمجة أو في الحياة عمومًا.
بالإضافة إلى ذلك، يتعلم الأطفال العمل الجماعي والتعاون مع أقرانهم لحل المشكلات، مما يعزز مهاراتهم الاجتماعية إلى جانب ثقتهم بأنفسهم.
الثقة بالنفس ليست مجرد كلمات تقال للطفل، بل هي تجربة يعيشها كل يوم. إنها تنمو عندما يُسمح له بالمحاولة، عندما يُشجَّع بدلًا من أن يُنتقد، وعندما يشعر أنه محبوب بغض النظر عن نجاحه أو فشله.
الطفل الذي يتلقى الدعم والتشجيع، ويتعلم كيف يواجه التحديات بدلاً من تجنبها، يصبح أكثر قدرة على مواجهة الحياة بثقة. وعندما تتاح له الفرصة لاكتساب مهارات جديدة، مثل البرمجة في "ميجاميندز أكاديمي" فإنه لا يكتسب مجرد معرفة تقنية، بل يتعلم كيف يفكر، وكيف يحل المشكلات، وكيف يثق في قدراته.
إذا أردنا أطفالًا أقوياء، ومستقلين، وواثقين بأنفسهم، فعلينا أن نكون نحن أول من يؤمن بهم، لأن الطفل الذي يرى الثقة في عيون والديه، سيجدها في نفسه أيضًا، وسينطلق إلى المستقبل وهو يعرف تمامًا أنه قادر على تحقيق أحلامه، خطوة بخطوة.