الدليل الشامل لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عند الأطفال
02 مارس 2025, 11:25 م
02 مارس 2025, 11:25 م
لم يكن الأمر غريبًا في البداية، مجرد طفل مليء بالحيوية، يركض في كل مكان، ويبدو وكأنه يحمل بطارية لا تفرغ أبدًا.
لكن شيئًا فشيئًا، بدأتِ تلاحظين أمورًا أخرى؛ ينسى أين وضع ألعابه، يملّ بسرعة من أي نشاط، لا يكمل واجباته، ومع كل محاولة للسيطرة عليه، تجدينه وكأنه في عالم آخر.
"مجرد شقاوة!" هكذا يطمئنكِ الجميع، لكن في داخلكِ هناك سؤال يلحّ: هل يمكن أن يكون اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟ هل طفلي مختلف؟ وهل هناك طريقة لجعله أكثر تركيزًا دون أن أفقد أعصابي في كل مرة؟
في هذا المقال، سنأخذ بيدكِ لفهم الـ ADHD بوضوح، كيف تميّزينه عن النشاط الطبيعي، وما الخطوات التي يمكنكِ اتباعها لدعم طفلكِ وتحويل طاقته الكبيرة إلى ميزة تساعده على النجاح.
يبدو طفلُكِ مليئًا بالطاقة، ويتحرك كثيرًا، ويسأل عشرات الأسئلة في الدقيقة، ويقفز من موضوع إلى آخر وكأنه يطارد فكرة تلو الأخرى.
تحاولين لفت انتباهه، لكنه ينسى ما كنتِ تقولينه بعد لحظات. يبدأ في حل واجبه، ثم يتركه فجأة ليبحث عن شيء آخر أكثر إثارة.
هل هو مجرد نشاط زائد؟ أم أن هناك شيئًا آخر؟
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) ليس مجرد شقاوة أو قلة تركيز، بل هو حالة عصبية تؤثر على قدرة الطفل على التحكم في انتباهه وحركته وردود أفعاله.
فالطفل المصاب بـ ADHD لا يفتقد الذكاء أو الفهم، لكنه يتعامل مع العالم بطريقة مختلفة، إذ تتزاحم الأفكار في رأسه، وتبدو الحركة وكأنها أمر لا إرادي، والتركيز يأتي ويذهب بلا سابق إنذار.
تبعًا لدراسة تابعة للمعهد القومي لطب نفس النمو للأطفال والمراهقين بالبرازيل نجد أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعًا بين الأطفال والمراهقين، حيث يُصيب حوالي 5% من الأطفال دون سن 18 عامًا، ومن أبرز الأسباب:
تُعد العوامل الوراثية من أبرز الأسباب المؤثرة في اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، حيث تؤكد الأبحاث أن للجينات دورًا كبيرًا في ظهوره. وتعتمد إحدى الطرق التقليدية لدراسة هذا التأثير على أبحاث التوائم، التي تتيح قياس مدى توريث الاضطراب بشكل دقيق.
تشير إحدى التحليلات لدراسات التوائم إلى أن معدل وراثة ADHD يتراوح بين 77% و88%، مما يجعله من بين أكثر الاضطرابات النفسية ارتباطًا بالعوامل الجينية.
وتوضح هذه البيانات أن ADHD ليس مجرد نتيجة لعوامل بيئية أو تربوية، بل له أساس وراثي قوي، يجعله قريبًا في طبيعته من اضطرابات نفسية معقدة أخرى.
بالإضافة إلى الاستعداد الوراثي، هناك عوامل بيئية تزيد من خطر إصابة الطفل باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. هذه العوامل قد تبدأ منذ فترة الحمل، وتمتد حتى مرحلة الطفولة المبكرة، ومنها:
مشاكل أثناء الحمل والولادة
التأثيرات البيئية في الطفولة
تشير بعض الأبحاث إلى أن الأنماط الغذائية قد تلعب دورًا في زيادة أو تقليل خطر الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، مما دفع العلماء إلى اقتراح تدخلات غذائية كعلاجات مساعدة، وتشمل هذه التدخلات المكملات الغذائية، وتحسين صحة الأمعاء عبر البروبيوتيك، واتباع أنظمة غذائية معينة
طفل مصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يعني جدولًا مزدحمًا بالفوضى، والكلمات المبعثرة، والمحاولات المستمرة لجذب انتباهه.
في المنزل:
أما في المدرسة:
الجدير بالذكر هنا أن الطفل المصاب باضطراب فرط الحركة لا يتعمد ذلك، لكنه يحتاج إلى طرق مختلفة للتعامل مع عالمه. فبدلًا من توقع أنه سيتصرف كغيره، عليكِ أن تفهمي كيف يعمل دماغه، وكيف يمكنكِ توجيه طاقته الكبيرة إلى مسارات أكثر فائدة.
هناك ذلك الطفل الذي يقفز من فكرة إلى أخرى كما لو كان عقله محطة قطار تزدحم بالرحلات المتداخلة.
تحاولين الإمساك بخيط الحديث معه، لكنه يتلاشى بين سؤال وآخر، بين حركة مفاجئة واهتمام عابر بشيء لامع على الطاولة.
في كل مرة تطلبين منه شيئًا، يبدأ ثم ينسى، ثم يتذكر شيئًا آخر، ثم يتوقف دون أن يدرك لماذا.
قد يبدو الأمر مألوفًا، فكل الأطفال لديهم لحظات من الشرود والنشاط الزائد. لكن، حين يصبح هذا النمط هو القاعدة وليس الاستثناء، وعندما تتحول الحياة اليومية إلى سلسلة من الفوضى غير المفهومة، هنا يجدر بكِ الانتباه.
ومن أبرز العلامات التي يمكن ملاحظتها
تخبرينه أن يضع حذاءه في مكانه، فيهز رأسه موافقًا، لكنه في اللحظة التالية يقف حائرًا وسط الغرفة، يسألكِ: "ماذا كنتِ تقولين؟" ثم يبحث عن الحذاء وكأنه لم يكن بيده منذ لحظات. ينسى أين وضع لعبته المفضلة، رغم أنه كان يلعب بها قبل دقيقة. ينسى لماذا دخل الغرفة، ولماذا ذهب إلى المطبخ، وحتى عندما تطلبين منه شيئًا، يبدأ لكنه ينسى قبل أن ينتهي. قد تظنين أن هذا طبيعي، فكل الأطفال ينسون، لكن عندما يصبح النسيان قاعدة وليس استثناءً، هنا تكمن المشكلة.
تحدثينه عن أمر ضروري، فتجدين نظراته زائغة إلى سقف الغرفة، أو إلى لعبة بجواره، أو ربما إلى لا شيء على الإطلاق. تطلبين منه إعادة ما قلته، فينظر إليكِ بعينين فارغتين، ويجيب إجابة لا علاقة لها بالسؤال. في المدرسة، المعلمة تشرح درسًا مهمًا، والجميع يكتبون، لكنه يحدّق عبر النافذة، متسائلًا: "لماذا الطيور لا تقع من السماء؟" في عالمه، التفاصيل اليومية تُمحى بسهولة، لتحل محلها أفكار عشوائية تأخذه بعيدًا.
عندما تطلبين منه ترتيب غرفته، يبدأ بحماس، يضع بعض الألعاب في مكانها، ثم يجد كتابًا ملونًا فيتصفحه، يتذكر أنه يريد أن يرسم شيئًا، فيذهب ليحضر أقلامه، ثم يعترض طريقه كوب ماء، فيشرب منه ويتركه على الطاولة، وينتهي به الأمر بالخروج من الغرفة تمامًا، تاركًا الفوضى كما كانت.
قد يبدو مشتتًا، لكنه ليس كسولًا أو عنيدًا، عقله ببساطة يجرّه في اتجاهات متعددة، كأن كل فكرة جديدة تجذبه كالمغناطيس، تاركة كل ما قبلها غير مكتمل.
يرى دراجة في الشارع، فيركض فجأة ليقترب منها دون أن ينظر يمينًا أو يسارًا. يتحدث في وسط مجلس الكبار دون أن يدرك أنه قاطع حديثًا مهمًا.
يلمس كوب الشاي الساخن دون أن يفكر في العواقب، ثم ينظر إليكِ متفاجئًا من الألم، وكأن ما حدث كان غير متوقع تمامًا. كل حركة، كل كلمة، كل تصرف يأتي أولًا، ثم بعده – إن أتى – التفكير في العواقب. ليس لأنه لا يهتم، بل لأن عقله لا يمنحه الفرصة للتوقف قبل أن يندفع.
عندما يجلس، فهو لا يجلس حقًا، بل يتلوّى، يهز ساقه، ويغيّر وضعه كل بضع دقائق، كأنه محاصر داخل جسده الصغير الذي يرفض السكون.
في المدرسة، تطلب المعلمة من الجميع الجلوس بهدوء، لكنه بعد لحظات تجده قد انزلق عن الكرسي، أو يقف بلا سبب، أو يدور بالقلم بين أصابعه بعصبية. حتى أثناء مشاهدة التلفاز – الوقت الذي يجلس فيه الأطفال عادةً بلا حركة – تراه يقفز بين الأريكة والأرض، وكأن الثبات فكرة غير واردة على الإطلاق.
تتحدثين في الهاتف، لكنه يقاطعكِ بسؤال فجائي عن شيء آخر تمامًا. تحاولين إنهاء جملة مع أحد أفراد العائلة، لكنه يتدخل ليخبركم عن حلم رآه ليلة أمس. في الفصل، يرفع يده ليجيب قبل أن تنتهي المعلمة من طرح السؤال.
ليس عدم احترام، وليس عنادًا، لكنه لا يستطيع الانتظار، وكأن كل فكرة تمر برأسه تُدفع للخروج فورًا، قبل أن تضيع وسط الزحام. عقله يعمل بسرعة، ولسانه يحاول أن يواكب السرعة، لكنه غالبًا ما يسبقها.
في كل منزل، هناك ذلك الطفل الذي لا يهدأ، يقفز من مكان إلى آخر، يركض في أرجاء البيت، وربما يتسلق الأثاث وكأنه نمر صغير لا يعرف الراحة. هنا تتساءلين: هل هو مجرد طفل شقي يحب اللعب والحركة، أم أن هناك شيئًا أعمق، مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟
الحقيقة أن الفرق بين الشقاوة الطبيعية واضطراب ADHD ليس في مستوى النشاط فقط، بل في قدرة الطفل على التحكم في نفسه عندما يُطلب منه ذلك. الطفل الشقي قد يكون نشيطًا طوال اليوم، لكنه عندما يُطلب منه الجلوس هادئًا لفترة محددة، يستطيع فعل ذلك – ولو بصعوبة. أما الطفل المصاب بـ ADHD، فالأمر خارج عن إرادته، وكأن عقله يرفض فكرة التوقف، حتى لو كان يريد ذلك بنفسه.
إذا كنتِ تشعرين بالحيرة، جربي هذا الاختبار البسيط. أجيبي بـ"نعم" أو "لا" على الأسئلة التالية، ثم قارني النتيجة:
إذا كانت إجاباتكِ على معظم الأسئلة "لا"، فمن المحتمل أن يكون طفلكِ مجرد طفل نشيط وشقي، لكنه قادر على التحكم في تصرفاته عند الحاجة.
أما إذا كانت معظم إجاباتكِ "نعم"، فمن الضروري استشارة مختص لفهم سلوك طفلكِ بشكل أفضل.
تربية طفل مصاب باضطراب فرط الحركة ليست معركة، لكنها بالتأكيد رحلة تتطلب صبرًا وبوصلة واضحة.
بين البيت والمدرسة والمجتمع، يحتاج طفلكِ إلى دعم مستمر ليستطيع التأقلم والتفاعل مع العالم من حوله. إليكِ بعض الاستراتيجيات التي ستساعدكِ على إدارة يومه بطريقة أكثر هدوءًا وفعالية.
البيت هو الملاذ الأول للطفل، وهو المكان الذي يتعلم فيه كيف يتعامل مع نفسه ومع الآخرين. لهذا، فإن وضع نظام واضح يساعده على تقليل الفوضى الذهنية التي يعيشها، ومن ثم يجب:
تنظيم الروتين اليومي للطفل
الروتين هو مفتاح الاستقرار لعقل دائم الشرود، فعندما يعرف الطفل أن هناك وقتًا محددًا للاستيقاظ، واللعب، وإنهاء الواجبات، والنوم، يصبح يومه أكثر وضوحًا وأقل توترًا.
وضع قواعد واضحة ومحددة
طفلكِ لا يواجه مشكلة في اتباع القواعد، بل مشكلته تكمن في استيعاب القواعد الغامضة. بدلاً من قول "كن مؤدبًا"، استخدمي عبارات مثل "عندما يتحدث شخص ما، انتظر حتى ينهي كلامه قبل أن ترد". القواعد الواضحة والمباشرة تمنحه إحساسًا بالسيطرة على تصرفاته.
استخدام التعزيز الإيجابي بدلًا من العقاب
التحفيز يعمل مع طفلكِ أكثر من العقاب. عندما يقوم بسلوك إيجابي، أظهري له تقديركِ فورًا، سواء بكلمة تشجيعية، أو نجمة على لوحة الإنجازات، أو مكافأة صغيرة. فالتقدير يجعله يرغب في تكرار الفعل، على عكس العقاب الذي قد يجعله أكثر تمردًا أو إحباطًا.
تعليم الطفل مهارات جديدة لتعزيز التركيز
تعليم الطفل مهارات جديدة مثل البرمجة هو وسيلة فعالة لتحفيز تركيزه وتعزيز قدرته على حل المشكلات بطريقة منهجية.
فالأنشطة التي تتطلب التفكير المنطقي والتجريب، مثل البرمجة، تساعد الطفل على تطوير الانتباه والاستمرار في مهمة محددة لفترة أطول.
ونحن في "ميجاميندز أكاديمي" نساعدك على تحويل تعلم طفلك البرمجة إلى تجربة ممتعة من خلال برامج ومسارات مخصصة.
المدرسة قد تكون ساحة معركة لطفل يواجه صعوبة في التركيز أو الجلوس بهدوء، لكنها أيضًا فرصة رائعة لتنمية مهاراته إذا حصل على الدعم المناسب.
لذا، من المهم أن توضحي لمعلمي طفلكِ طبيعة حالته، وكيف يمكنهم مساعدته، مثل منحه وقتًا إضافيًا لإنهاء المهام، أو السماح له بالحركة بين الحصص، أو استخدام وسائل بصرية في الشرح.
فيمكن لبعض التعديلات البسيطة أن تحدث فرقًا كبيرًا، مثل:
الأصدقاء هم نافذة الطفل على العالم، لكن اضطراب فرط الحركة قد يجعل تكوين العلاقات الاجتماعية تحديًا له.
فساعدي طفلكِ على فهم القواعد غير المكتوبة للصداقة، مثل الاستماع للآخرين، وعدم مقاطعة الحديث، والاعتذار عند الخطأ. شجعيه على اللعب في مجموعات صغيرة، وعرفيه بأطفال لديهم اهتمامات مماثلة.
قد تسمعين تعليقات مثل "طفلكِ يحتاج إلى تربية صارمة" أو "لماذا لا تستطيعين السيطرة عليه؟". بدلاً من الغضب، خذي نفسًا عميقًا وكوني مستعدة لشرح طبيعة اضطراب فرط الحركة لمن حولكِ، أو ببساطة تجاهل الانتقادات غير البناءة.
وأخيرًا، اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD ليس حكمًا بالسجن المؤبد على طفلكِ، بل هو تحدٍّ يحتاج إلى إدارة صحيحة.
فطفلكِ ليس "مشاغبًا"، ولا "عنيدًا"، بل يرى العالم بطريقة مختلفة. ومع الدعم والفهم، يمكنه أن ينجح، ويتألق، ويثبت أن الطاقة التي يحملها داخله ليست سوى وقود للإنجاز، إذا وُجّهت في المسار الصحيح.